الرأي القانوني بشأن التعديلات المقترحة لقانون الإيجار القديم في مصر: نظرة موضوعية
# الرأي القانوني بشأن التعديلات المقترحة لقانون الإيجار القديم في مصر: نظرة موضوعية
## مقدمة
تشهد مصر حالياً جدلاً قانونياً واجتماعياً حاداً حول التعديلات المقترحة على قانون الإيجار القديم، والتي تمس مصالح ملايين الملاك والمستأجرين على حد سواء. هذه التعديلات التي أثارت عاصفة من الانتقادات من كلا الطرفين، تطرح تساؤلات جوهرية حول التوازن بين حق الملكية المقدس دستورياً وحق السكن كأحد الحقوق الأساسية للمواطنين.
فى هذه السطور سنعرض الرأي القانوني للدكتور نبيل فزيع المحامى بالنقض بشأن هذه التعديلات، مع تحليل معمق للمواد الأكثر إثارة للجدل في المشروع الحالي، وخاصة تلك المتعلقة بزيادة القيمة الإيجارية وإنهاء العلاقة الإيجارية بعد خمس سنوات.
الموضوع: التعديلات المقترحة وإشكالياتها القانونية
أثار مشروع قانون الإيجار القديم المقترح جدلاً واسعاً منذ لحظة طرحه، حيث ينص على زيادة القيمة الإيجارية للأماكن السكنية إلى عشرين ضعف القيمة الحالية، مع تحديد حد أدنى لا يقل عن 500 جنيه للقرى و1000 جنيه للمدن. كما ينص المشروع على إنهاء جميع العقود الإيجارية القديمة للأماكن السكنية بعد مرور خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون الجديد .
هذه التعديلات جاءت في أعقاب حكم المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر 2024 بعدم دستورية نصوص القانون رقم 136 لسنة 1981 فيما يتعلق بثبات الأجرة السنوية، حيث رأت المحكمة أن هذا الثبات يشكل انتهاكاً لمبدأ العدالة وحق الملكية . إلا أن التعديلات المقترحة تجاوزت مجرد تعديل القيمة الإيجارية لتمس جوهر العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر.
الرأي القانوني للدكتور نبيل فزيع المحامى بالنقض
1. الزيادة المقترحة: عشرون ضعفاً.. مغالاة غير مبررة
يرى الدكتور نبيل فزيع أن الزيادة المقترحة والتي تصل إلى عشرين ضعف القيمة الإيجارية الحالية تمثل مغالاة غير مبررة قانونياً واجتماعياً. فمن الناحية القانونية، هذه الزيادة المفاجئة والجذرية تخالف مبدأ التدرج في التعديل التشريعي، كما أنها تتعارض مع روح حكم المحكمة الدستورية الذي دعا إلى “تحقيق التوازن” بين حقوق الملاك والمستأجرين، وليس الانحياز الكامل لأحد الطرفين .
أما من الناحية الاجتماعية، فإن هذه الزيادة الكبيرة ستشكل عبئاً لا يطاق على ملايين الأسر المصرية، خاصة كبار السن وأصحاب المعاشات الذين يعتمدون على دخول ثابتة لا تواكب مثل هذه الزيادات المفاجئة. فالشخص الذي كان يدفع 50 جنيهاً شهرياً سيجد نفسه مضطراً لدفع 1000 جنيه، أي ما يعادل 20 ضعفاً، وهو أمر يعجز عنه الكثيرون في ظل الظروف الاقتصادية الحالية .
2. الحد الأدنى للإيجار: إجحاف بحقوق الفئات الهشة
فيما يتعلق بتحديد حد أدنى للإيجار (500 جنيه للقرى و1000 جنيه للمدن) بغض النظر عن القيمة الإيجارية الأصلية. هذا التحديد يعاني من جمود قانوني لا يراعي الفروق الكبيرة بين المناطق والوحدات السكنية من حيث الموقع والمساحة والخدمات المتاحة وقيمة الوحدة ذاتها . فشقة في حي شعبي لا يمكن مساواتها بشقة في منطقة راقية، ومع ذلك يفرض المشروع نفس الحد الأدنى لكليهما .
الأكثر إشكالية أن هذا الحد الأدنى لا يراعي القدرة المالية للفئات الهشة مثل كبار السن وأصحاب المعاشات والأسر محدودة الدخل. فكثير من هذه الفئات تعيش في وحدات إيجار قديم منذ عقود، وتدفع إيجارات رمزية لا تتجاوز 10-20 جنيهاً شهرياً. وفرض زيادة مفاجئة إلى 1000 جنيه سيعني تشريد ملايين المواطنين الذين لن يتمكنوا من تحمل هذه الأعباء المالية الجديدة .
3. إنهاء العلاقة الإيجارية بعد خمس سنوات: مخالفة دستورية
ليس من شك أن النص على انتهاء جميع عقود الإيجارات القديمة بعد خمس سنوات يمثل مخالفة دستورية وقانونية واضحة، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: هذا النص يتعارض مع مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” ا، حيث يتم إنهاء عقود إيجارية سارية بموجب قانون لاحق، دون اعتبار للحقوق المكتسبة للمستأجرين على مدار عقود من الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية .
ثانياً: الحكم الدستوري الذي استندت إليه المشروع لم يأمر بإنهاء العقود الإيجارية، بل دعا فقط إلى تعديل نظام الأجرة لتحقيق التوازن بين الطرفين. لذلك فإن استغلال هذا الحكم لإنهاء العلاقات التعاقدية يمثل تجاوزاً للغرض من الحكم الدستوري .
ثالثاً: إنهاء العقود بهذه الصورة الجماعية والجذرية سيشكل اهداراً لحق السكن الذي يعتبر من الحقوق الدستورية الأساسية.
الخاتمة: نحو حلول متوازنة
في ضوء هذا التحليل، يخلص الدكتور نبيل فزيع المحامى بالنقض إلى أن التعديلات المقترحة لقانون الإيجار القديم تحتاج إلى مراجعة جذرية لتحقيق التوازن المطلوب دستورياً بين حقوق الملاك والمستأجرين. ويقترح في هذا الصدد:
1. اعتماد زيادة تدريجية ومعقولة في القيمة الإيجارية، بحيث لا تتجاوز 5-10 أضعاف القيمة الحالية، مع مراعاة الفروق بين المناطق والوحدات السكنية.
2. إلغاء فكرة الحد الأدنى الجامد للإيجار، واستبدالها بنظام مرن يراعي القدرة المالية للمستأجرين وخصائص كل وحدة سكنية ( من حيث الموقع والمساحة …الخ).
3. التخلي عن فكرة إنهاء العقود الإيجارية بعد خمس سنوات، والاكتفاء بتعديل نظام الأجرة كما قضت المحكمة الدستورية.
4. وضع ضمانات حقيقية لتوفير سكن بديل للفئات غير القادرة قبل أي إجراءات الإخلاء، مع إعطاء أولوية لكبار السن وأصحاب المعاشات.
5. إشراك جميع الأطراف المعنية في حوار مجتمعي شامل للوصول إلى صيغة توافقية تحقق العدالة الاجتماعية وتصون حقوق جميع الأطراف دون إجحاف بأحدها .
في النهاية، فإن حل إشكالية الإيجار القديم يتطلب نظرة عامة موضوعية تتجاوز الحلول الجزئية والانحياز لطرف على حساب الآخر، لضمان استقرار العلاقة بين المالك والمستأجر وحماية حقوق جميع فئاته دون تمييز.
دكتور
نبيل فزيع